الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مسرحية 24 جويلية لنوفل عزارة: حتى لا يُدفع بالمجتمع التونسي في "ثقب أسود" يسلب منه حيويته وطاقته النقدية وتطلعه للمستقبل وللتجديد

نشر في  26 ماي 2022  (14:38)

تدور احداث مسرحية "24 جويلية" لنوفل عزارة باحدى دور الثقافة، بطلها فيصل حارس الفضاء ومجموعة من رواد الدار من الشبان الذين يقومون بتدريباتهم المسرحية، وعددهم 80 شابا وشابة من المنخرطين في استوديو التياتر الذي يشرف عليه المسرحي توفيق الجبالي.

في عملية تشبه التوليد المسرحي، تتعدد المشاهد التي تعكس تيمة كبرى في علاقة بحيوية وحرية الافراد في المجتمع واهمية الدور الذي يمكن ان يلعبوه كشركاء في الوطن لا كمجرد رعايا. وبينما يسعى فيصل للحفاظ على عدم مجاوزة "الخطوط الحمراء" وان يكون الرقيب ضد الانفلاتات المحتملة، يلعب الممثلون دور القطيع الذي لا كلمة له ولا قرار ولا حرية في مجاز فني يعكس المخاوف المجتمعية من استئصال الحق في التعبير وحريته، ما عدا بعض اللقاءات التي يعبّر فيها الممثلون عن رفضهم للسائد والمسكوت عنه وكل ما ضربت عليه قيود الممنوع.

ويعكس اختيار دار الثقافة كفضاء ركحي للمسرحية رمزية مضاعفة اولها قدرة الفن والمسرح بالتحديد على لعب دور اساسي في ايقاظ الضمائر ولفت أنظار المجتمع لكي لا يتخلى عن الادلاء بدلوه في الشأن العام، وثانيها قدرة المسرح على تعديد المواقف في علاقة بموضوع العمل واستعمال المجازات المناسبة من غير مقدمات او تعليلات ضرورية.     

ويقترن عنوان المسرحية  "24 جويلية" بتاريخ 25 جويلية، اي اللحظة السياسية الفارقة التي تم بمقتضاها تجميد البرلمان التونسي سنة 2021. وفي هذا الاقتران الزمني ايحاء مباشر للمسألة السياسية التي شكلت الهاجس الاكبر منذ حوالي العام وظلت الموضوع الاكثر تناولا من قبل من عبّروا عن مخاوف من استئثار الرئيس وحده باتخاذ قرارات مصيرية من غير اشراك مكونات الطيف المدني والسياسي والنقابي.

ومن خلال هذه التيمة السياسية الكبرى، تتشابك مختلف احداث المسرحية لتنقد "الصمت الاسود" و"الحزن الاسود" وكل ما يمكن ان يدفع بالمجتمع التونسي في "ثقب اسود" يسلب منه حيويته وطاقته النقدية وتطلعه للمستقبل وللتجديد. "نحن في موسم القحط، نحن في موسم ريح السد" يقول احد الممثلين في بداية العمل ليبرز وجهة نظر واضع العمل الرافضة للاستكانة والمنادية بعدم الانخراط في عالم الصمت وحتى لا يكون  افراد المجتمع مطيّة يركبها كما يشاء من هبّ ودبّ من الساسة المستفردين بالحكم. وقد غذى نوفل عزارة مسرحيته بتصور ركحي ارتكز على هذا الجسد الاجتماعي الطيّع سامحا في نفس الوقت لتلاميذ استديو التياتر الثمانين بأن يكون لهم حيّز تعبيري متكامل.

ومن المشاهد المميزة للمسرحية، ذاك المشهد الذي انضاف فيه البعد الدولي -الخلاف بين القطبين الروسي-الامريكي- على البعد المحلي، فيدرك المتفرج كيف يسعى الرجل الامريكي لوضع يده على القطيع التونسي الى ان ينتفض عليه الرجل الروسي في تشاحن لغوي فيه الكثير من الرمزية والفكاهة، وكأنه لا يكفينا ان نكون بيادق على الساحة المحلية حتى تنضاف الينا لعبة البيادق الدولية ونكون دائما تحت سطوة ما.

تحض مسرحية "24 جويلية"، في جوهرها، الى عدم الاكتفاء بالقليل، الى عدم العودة الى مربعات المباركة والتصفيق، وتدعو الى اليقظة والاستفاقة ازاء عقلية القطيع التي تتماهى مع الحد الفكري الادنى في عملية تكتفي باستحسان ما تم تحقيقه من غير اي نفس نقدي او حس يأخذ المسافات اللازمة ليصدع بالرأي المخالف ويحيي تلك المهجة الثائرة والضرورية لكل اشكال الحياة.

24 جويلية: الجذاذة الفنية

تصور و إخراج: نوفل عزارة
الإدارة الفنية: توفيق الجبالي
التوضيب العام : وليد حصير
إضاءة: زيدان محرز
توضيب الركح: مهدي بوذينة
لفت نظر : هذا العرض أنجز كما ونوعاً بنسبة 90% قبل 25 جويلية .

شيراز بن مراد